الاثنين، 6 أكتوبر 2008

الرب مع جميعكم...!!؟؟

نظر إلى ساعته فإذ هى التاسعة تماماً. تلفت حوله فى فناء الكنيسة فلم يجد أحداً كان الجميع بالداخل لأن القداس الإلهى لم يكن قد انتهى بعد.. لم يتبق على موعده مع شريكه سوى ساعة واحدة فقط. فالموعد هو العاشرة تماماً من صباح الأحد أمام الكنيسة لأن الضحية تقطن فى الدور الثالث فى العمارة الكائنة بجوار الكنيسة.

(أرملة شابة فى حوالى الثلاثين من العمر. تعول طفلتين توفى والدهما الصائغ منذ حوالى شهرين، تخرج الأرملة يوم الأحد صباحاً للقداس ثم تقضى باقى اليوم فى منزل والدها مع طفلتيها الصغيرتين.. ولا تعود للمنزل قبل مساء نفس اليوم. هذه هى كل المعلومات التى قالها له شريكه إبراهيم، والذى يعمل فى ورشة الدوكو فى نفس عمارة الضحية فى الدور الأرضى، والذى رتب معه كل شئ اليوم.. حيث قررا السطو على الشقة والاستيلاء على ما يجدونه بها من ذهب ومجوهرات مستغلين غياب صاحبتها).

كان الوقت لا يزال مبكراً لتنفيذ المهمة، ولذلك فقد قرر الدخول إلى داخل الكنيسة لأمرين.
أولهما : التعرف على الضحية من خلال صورة التقطت لها دون أن تدرى.
ثانيهما : تضييع الوقت.
جلس فى مؤخرة الكنيسة وهو يحتضن صورة الضحية بكلتا يديه. محوطاً إياها فى حنو وكأنها أصبحت كل ما يتمناه، وفى حذر أيضاً حتى لا يسطع أحد رؤيته.. وأخذ ينظر إلى الناحية المقابلة فى اتجاه مقاعد السيدات وبصعوبة بالغة تمكن من رصد الضحية.. فرح جداً وتمنى أن يتم فرحه هذا بالا يغير هذا الصيد الثمين خط سيره اليوم..

وضع الصورة فى جيبه وقد غمره إحساس كبير بالاطمئنان ثم وضع رأسه بين كفيه وسند بكوعيه على ظهر المقعد الكائن أمامه.. فبدأ كأنما قد تحول إلى تمثال.. لا شئ يعمل فيه سوى ذهنه الملئ بالأفكار.. يطرح عليه العديد والعديد من الأسئلة التى لا إجابة لها عنده سوى إجابة واحدة فقط وهى تنفيذ هذه العملية بأى شكل.. لأن تلك العملية هى المفتاح السحرى لكل مشكلاته التى وضع نفسه فيها.. تكاثرت عليه الأسئلة والاقتراحات والأمنيات.. فحاول الهروب منها فلم يستطع.. كانت تحاصره من كل جانب فكان يرى فيها الجيد والردئ.. وكان بكل سهولة ساعتها يعرف كيف يميز بينها.

ولما رأى أنه مهزوم من الجانب الخيَّر الذى يدعوه لعدم تنفيذ هذه العملية.. انتفض من مكانه محاولاً تعديل سير الأفكار داخله.. لتسير له على حسب ما يريد.. ساعتها فقط دخلت أذنيه كلمات قلائل من الصلاة قالها الأب الكاهن فى جدية ممزوجة بروحانية لم يفهم معناها.. قال: .. الرب مع جميعكم.. ثم سدت أذنيه مرة أخرى.. فلم يسمع أى شئ آخر سوى تلك الجملة.

وسمع تفكيره يرد فى احتداد.. أنا مش عارف إحنا هنبطل الدروشة دى إمتى.. الرب مع جميعكم...!!؟؟.. ميكونش ربنا يعنى هييجى ويمشى مع كل واحد مننا!! كلام غريب!!
فى أثناء انشغاله بهذا الفكر دخل أحد الأشخاص ووقف إلى جواره.. كان غريباً أن يأتى ذاك الشخص إلى جواره فى مكانه هذا والكنيسة بها العديد من الأماكن الشاغرة فى مقدمة الصفوف ووسطها.

كان دخول هذا الشخص سهلاً فلم يسمع صوت احتكاك أقدامه بالأرض فخُيِّل إليه أنه دخل طائراً لا سائراً.. ثم ما هذا الشعور الغريب الذى يحسه الآن تجاه الشخص الواقف عن يمينه.. شعوراً لم يستطع تفسيره أو إدراك ماهيته.. فكان يهرب من هذا الشعور على الرغم من أنه شعور مُرِيح جداً فقد لاحظ أن الشخص الواقف بجواره غريب جداً فهو لم يعد عن يمينه ولكنه شعر به عن يساره ومرة أخرى من خلفه وأخرى أمامه.. فكان يرى نفسه يحاط بهذا الشخص الغريب من كل جهة، ومع ذلك لم يتضجر لهذا الوضع... بل داخله إحساس عميق بأن هذا الشخص يحتضنه برفق بين ذراعيه وتمنى لو صرخ باكياً كالطفل يشكو لأبيه من شئ يضايقه.

هنا وأفاقته من غمرة احساساته قطرات الماء التى ينثرها الكاهن على الشعب فى نهاية القداس وصلى الجميع أبانا الذى فى السموات وابتدئوا فى الانصراف.. هنا أدرك أنه كان بفكر وأن أفكاره حول كلمات (الرب مع جميعكم) قادته إلى تلك الهلوسة التى جعلته يظن أن هناك من يتبعه حتى أنه ظن فى غمرة انفعالاته أنه ربما يكون السيد المسيح ذاته، ولكنه طرد الفكرة قائلاً لنفسه (بلاش كلام فارغ)، وابتدأ يثبت نظره ناحية مكان الضحية المرتقبة وترك مكانه خلفها خارجاً من الكنيسة ، ولكنه عاد وشعر بنفس تلك المشاعر الغريبة التى لم يفهمها من قبل.

وعاد يحس بهذا الغريب الدائر حوله.. هنا لم يعد مجالاً للشك فالإحساس هذه المرة مؤكد من يكون إذن؟ لابد وأنه فعلاً السيد المسيح له المجد.. لكنه عاود طرد الأفكار.. وطرد تلك الفكرة من رأسه ولكن الإحساس مازال معه.
بدأ يتحرك من جديد.. فتحرك معه الشخص الغريب دون أن يلمسه ودون أن يمنعه فأحس بأنهما شخص واحد.. كلما تحرك تحرك معه فى هدوء كان كالطيف غير ثابت على الأرض، وكان إحساسه جميلاً لم يجد ما يرد على نفسه لينكر أن هذا الرفيق هو الرب الحبيب.. ساعتها ذاب قلبه داخله حباً وخجلاً وشعر بأنه تغلب على كل أفكاره ومشاعره الخاطئة وشعر بنفسه يُحلِّق فوق مستواه. الترابى.

وقرر أن يرفع بصره ليراه..، ولكن لم تأتيه الشجاعة لذلك.. كان يراه بجانبه وحوله دون أن يقع بصره على وجهه.. ولم يستطع أن يفعل شيئاً حيال ذلك.. فبرغم كل ما يشعر به.. شعر بأنه يلزم لرؤية وجه الرب.. قوة غير عادية قوة إلهية.. وأدرك أنه لابد أن يسمح له الرب برؤية وجهه. ليستطيع ذلك فرفع قلبه فى خشوع وندم على كل خطاياه السالفة..، وطلب من الرب أن يسمح له برؤيته.. وبأنه عازم على ترك كل شروره لو أتيحت له هذه الفرصة.
هنا شعر بيده تربت على كتفه فى رفق فشعر بقوة فائقة تسرى فى جسده كأنما صعقه تيار شديد جعله يرفع وجهه فى سرعة الصاروخ ناحيته فإذ به يرى وجه أبونا الكاهن مبتسماً ليوقظه من نومه العميق لأن القداس الإلهى قد انتهى وهو مازال نائماً فى مكانه فى مؤخرة الكنيسة.

وتدارك هذا الشخص الموقف بكل بساطة قلب فلم يترك الأب الكاهن يمضى قبل أن يقدم على يديه توبة بندامة واعتراف كامل عن كل ماضيه وعن تفاصيل حياة الخطية السابقة وخرج من الكنيسة وهو متأكد تمام التأكد أنه لم يكن حلماً..، ولكنه بالفعل كان فى صحبة رب المجد، ولكن لعدم استحقاقه.. لم يقو على أن يرى وجه الرب ولكنه شعر به فقط وطلب من الرب علامة على صحة تفكيره، وعلى قبول الرب لتوبته. فإذ به يرى فى أثناء خروجه من الكنيسة رجال البوليس أمام العمارة المستهدفة خارجين وهم يمسكون بأيديهم صديق السوء القديم وفى يديه الكلبشات وهم يضعونه فى (البكس)

كان هو قد نسى تماماً أمر المؤامرة السابقة وصديقه الشيطان الذى كان ينتظره الذى لما طال انتظاره له. قرر تنفيذ العملية لصالحه، وكانت هذه النتيجة.. ساعتها فقط صرخ قائلاً (العلامة) وصرخ من عمق قلبه قائلاً : أشكرك يارب على هذه الفرصة وخرج شخصاً جديداً.
وأصبح القداس الإلهى بكل كلمة وحركة فيه هو موضع اهتمامه.. لأنه أيقن ولا مجال للشك بأنه كلام حى فيه روح وحياة.
----------
القصة مهداه إلى كنيستنا القبطية الأرثوذكسية وطقوسها الجميلة.
? كتبت فى 26 / 4/ 2002

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق