الاثنين، 6 أكتوبر 2008

انـتــحار


إستيقظت فى حوالى الرابعة صباحاً على صوت غريب فى غرفتى . فى البداية كان الصوت ضعيفاً وكأنه لطفل صغير يهمهم باكياً ,وما لبث أن إرتفع الصوت بشكل كبير . فلم أجد مفراً من أن أزيح عنى دفء الغطاء وأقوم عن سريرى لأرى ما يحدث حولى – ويا لهول ما رأيت – لقد رأيت منظراً لن أنساه طيلة عمرى . رأيت قلمى الخاص وقد ربط حول سنه الغليظ سلك نحاسى طويل ,وربط ناحية السلك الأخرى فى المقلمة النحاسية التى على المكتب ثم قفز . فإذ بسنه الحديدى قد إنخلع عن الأنبوب فكأنما هو رأس بشرى قد إنفصل عن الجسد . وفوجئت بتيار كبير يسيل منه من الحبر وكأنما هو نزيف يخرج عن جسد متخم بالجروح .

أسرعت إليه رافعاً إياه فى حنو من على السجادة فإذ بى أراه قد ترك أثاراً من المداد الأزرق لكنى رأيته ساعتها أحمر كالدماء المنسكبة فسألته فى إشفاق ومشاعر الحزن تغلبنى : لماذا كل هذا يا صديقى ويا رفيق رحلتى . ألسنا دائماً معاً ؟ أحنو عليك وأمسكك بيمينى ,وأنت دائماً أول من يعرف أفكارى ومشاريعى عندما أريد إخراجها للعالم ؟ وعندما أكون مشغولاً بعمل فى مكان آخر . أتذكر ؟ كنت أحملك معى دائماً واضعاً إياك فى جيبى الأيسر الداخلى إلى جوار قلبى ؟ لماذا إذن هذا الفراق المفاجىء ؟ .. أكملتُ كلماتى هذه ولم أمسك دموعى فإنسابت رغماً عن فاختلطت بدموعه . وقال لى وهو يجهش باكياً : كان هذا منذ فترة بعيدة قبل أن تنسانى وتتخذ أسلوباً آخر للتعبير عن رأيك – أسلوب الكلام – فمنذ أن بدأت فى إستخدام الكلام للتعبير عن أفكارك وآرائك لم نلتقِ . نعم فما حاجتك لى ؟ وأنت فى كل وقت – ودون أدنى تفكير – تُخرج ما فى داخلك من أفكار فى صورة كلمات يسمعها من حولك فى بساطة ودون عناء ,وإعلم أنهم سوف ينسونها أيضاً فى بساطة ودون عناء ...

ولم أحتمل كلماته تلك . ساعتها دارت فى مخيلتى كل أعمالنا السابقة معاً من قصص وأشعار وأزجال ومقالات وكان لها صداها الواسع عند الجميع .
هنا وقاطعنى قلمى الخاص عن مواصلة أفكارى بصوته المتحشرج قائلاً : كلمة أخيرة يا صديقى أود أن أقولها لك وهى أنه يوجد وقت للكلام لا أنكره عليك ولا أريد أن أحرمك من هذا الحق فى الكلام ,ولكن فى أغلب الأوقات – صديقى العزيز – يجدر بك أولاً أن تُخرج ما فى داخلك من أفكار عن طريقى أنا .فهذا هو ما يميزك عن غيرك وأيضاً سيعطى لأفكارك الخلود . قال تلك الكلمات وزاد صوت السكون حولى فلم أسمع صوته . نظرت إليه فإذ هو ساكناً لا حياة فيه . فلم أصدق موته وأخذت أصرخ وأناديه ولكنه لم يسمعنى . أدركت ساعتها أننى أنا السبب فى إنتحاره لأننى تخليت عنه . أدركتها متأخراً .. ومن هول ما ألمّ بى لم أصدق ما حدث ,ورحت أصرخ بكل ما أوتيت من قوة أناديه أن لا يفارقنى وأتعهد له أننى لن أنساه مجدداً ....

فإذ بى وسط صراخى تنفتح عينىّ لأرى نفسى مازلتُ فى فراشى أنعم بدفء الغطاء ,وفى لحظة واحدة كنت قافزاً عن سريرى – كطلقة مدفع – تجاه مكتبى وإذ بى أجد قلمى مازال أمامى واقفاً فى شموخ فى مقلمتى النحاسية فحمدت الله وإحتضنته يدى وأمسكتُ بأوراقى وبدأت أكتب .. إستيقظت فى حوالى الرابعة صباحا ..ً على صوت غريب .. فى غرفتى .. فى البداية .. .. ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتبت فى 3/8/1999
* القصة ذات شكل دائرى
فعندما ينتهى القارىء منها يكتشف أنها بدأ فى قراءتها من جديد .
* القلم قد يرمز إلى حياة التأمل والكلام إلى حياة الخدمة .
( فأحياناً ما ينسى الخادم – فى غمار الخدمة المتسعة – الجلسة الروحية المتأملة الهادئة والمهدئة للنفس عند أقدام الرب يسوع ) .
* القلم قد يرمز إلى الحياة الروحية والكلام إلى الحياة الدنيوية ( فأحياناً ما تطغى العلاقات الإجتماعية على روحيات الفرد بما يهدد العلاقة الخاصة مع شخص الرب يسوع ) .
* وأيضاً .. قد يبقى القلم هو القلم والكلام هو الكلام .
* وقد يشير كل من القلم والكلام لأى وجهة نظر يرآها القارىء ولم يذكرها الكاتب ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق