الاثنين، 6 أكتوبر 2008

الــمُــعــزِيّــة


قطع الرنين المتواصل للتليفون سكون الليل فهبّت الأم من نومها بفزع لترفع سماعة التليفون فى تلقائية ولسان حالها يردد - خير إن شاء الله . مين يا ترى ؟ ؟
كانت إبنتها آمال هى المتحدثة , كلمات قلائل قالتها الابنة فقامت الأم مسرعة عن فراشها وأيقظت زوجها وفى دقائق معدودة كانا قد إرتديا ملابسهما إستعداداً للخروج من المنزل بعد أن أيقظا إبنهما رفيق لينقلهما بسيارته الخاصة إلى منزل أخته لأمر عاجل جداً ..


بعد عشرون دقيقة لا أكثر كان ثلاثتهم أمام منزل الأخت يدقون جرس الباب وعند دخولهم كانت هناك مفاجأة فى إنتظارهم إذ وجدوا المكان يغط بالأقارب والأصدقاء والجيران , والجميع حول ( آمال ) فى إنتظار ما ستقول .


وجدت الأم إبنتها فى حالة سيئة للغاية فقد شحب لونها وأما عينيها فقد كانتا طائشتان فى كل صوب وجسدها يرتجف ودموع تتساقط من عينيها دون ضابط , وهى فى كل ذلك تحتضن ابنها وابنتها الصغيرين فى حضنها بقوة ولا يستطع أحد أن ينزعهما من حضنها , وكان الجميع يتحدثون إليها ويطمئنونها ولكنها لم تستمع لكلمة واحدة فحالتها كما هى .


حاولت الأم أن تستفهم عن الأمر فقال لها الموجودين بأن آمال لم تتكلم حتى الآن وهى على نفس الشاكلة منذ وصولهم . إقتربت الأم من ابنتها فى حنو , وبصعوبة ورفق استطاعت أن تسحب الأطفال من يديها . هنا أفاقت آمال بعض الشىء وكأنما فوجئت بوجود والدتها فشهقت بصوت عال وإرتمت فى أحضان أمها – كأنما هى طفل صغير يحتمى من خطر محقق فى ملجأ أمين – وإنخرطت فى البكاء . ربتت الأم على ابنتها بعدما شاركتها الدموع وقالت لها فى حنو بالغ : مالك بس يا بنتى بسم الصليب عليكى قوليلى إيه إللى صابك بس ؟
هنا خرجت الكلمات من آمال ممزوجة بالبكاء العالى مع الشهقات المتلاحقة .. متقطعة .. مندفعة
* أنا .. أنا .. هموت النهاردة .. يا ماما .
عقب هذه الكلمات ضحك بعض الموجودون .. وسخر البعض الآخر .. وتمصمصت أُخريات .. وساد نوع من الإعتراض وجوه البعض .. وهمهم البعض بكلمات تأنيب صعبة لم يسمعها أحد .. وخرج البعض دون إستئذان . وشعر الزوج – غير المقدر لمشاعر زوجته – بالاحراج . فعلت وجهه حُمرة الخجل والغيظ معاً , ولكنه وارى ذلك بضحكات باهتة قائلاً : إحنا آسفين يا جماعة الظاهر إنه كابوس . فإستأذن الجميع فيما عدا أسرة آمال , فقد جلست الأم مع إبنتها لتستمع إليها .


كان ما تعانيه آمال حرباً هائلة لم يُقدرها أحد من الذين إنصرفوا وظنوا الأمر لا يعدو كونه ( دلع ستات ) على حد تعبير أكبرهن سناً - والتى إنصرفت متضررة جداً .
سألت الأم ابنتها آمال فى حنو : ليه بتقولى كده يا بنتى .. اسم الله عليكى . فردّت الابنة فى يقين . أنا متأكدة يا ماما .. ولادى ؟ .. مين هيربى ولادى ؟ .. واندلعت فى بكاء مرة أخرى بأنفاس لاهثة مضطربة ثم بصعوبة بالغة إستطاع الأخ رفيق تهدئة أخته والتى كانت تعانى من خوفٍ شديد جعل جسدها يرتعش كأنما هو منزل على وشك الانهيار . وبعد اكثر من ساعة هدأت الأخت نسبياً ولكنها لم تستطع النوم عقب إنصراف الأسرة . فظلت تغفو قليلاً .. ثم تصحو فزعة وهى فى ذلك أيضاً تحتضن ولديها النائمين إلى جوارها على السرير وذلك حتى انقضاء الليل .


فى الصباح ذهبت آمال إلى الكنيسة , وانفردت بأبونا مرقس أب إعترافها وروت له ما حدث معها وهى ما زالت مضطربة ..فصلّى لها أبونا وهدأها بعض الشىء ولكنها خرجت أيضاً متأكدة بأنها سوف تموت قريباً جداُ ,وظل شبح الموت يرتسم أمامها فى رعب قاتل للنفس يهز أجزاء جسدها هزاً .


مضى على هذا الحدث حوالى أسبوعين . ثم فى إحدى الليالى .. تكرر نفس السيناريو السابق دون أى تعديل سوى أن آمال هذه المرة كانت مضطربة أكثر وأكثر لدرجة معها أصبح من المستحيل التفاهم معها . فهى متأكدة من موتها وتبكى أولادها وما سيصيبهم بعد موتها . رعب وفزع لا مبرر لهما – من وجهه نظر من حولها – ولا أحد يعرف مقدار ما تعانيه من تعب .


إن آمال ليست مريضة بمرض نفسى ولم يسبق لها الإصابة بأى مرض يؤدى فى نهايته إلى وعكة نفسية ولا تتناول أدوية تؤثر على الجهاز العصبى . كل ما فى الموضوع أنها تُحارب من قِبَل عدو الخير بحرب شديدة .. هى الخوف من الموت .. أمّا ما أصاب آمال بعد ذلك فقد أصبح أضعاف ما كانت تعانيه قبل ذلك . فقد أصبح خوفها كثيراً جداً ونومها متقطع وبالتالى أصبحت صحتها سيئة جداً وفقدت الكثير من وزنها , وبرغم ذلك لم تنقطع عن الكنيسة من إعتراف وتناول وإجتماعات روحية ولكن ما فى القلب فى القلب ولا أحد يدرى إلاَّ عندما يزداد الأمر عليها فيظهر فى تصرفاتها وعينيها الرعب من الموت خصوصاً عندما تسمع بموت أى شخص ولو كانت لا تعرفه من قبل .
أكثر من ثلاثة شهور مضت على هذا الحال وأصعب , ولا يوجد علاج كنسى أو حتى عالمى . إزدادت نوبات الرعب والخوف من الموت وأصبحت رؤى مخيفة ومفزعة ترى فيها آمال الشياطين فى أحلامها وقد أمسكوا بها مقيدين إياها فى عمود متراقصين حولها فى أشكال مفزعة ويهمون أن يبتلعوها . فتصحو فى رعب وفزع ويرتجف جسدها بشدة وحتى بعد الإستيقاظ لا ينتهى كل ذلك فتشعر بإختناق ولا أحد يدرك ما هى فيه , وبعضاً من الأقارب قالوا بأنها مريضة نفسياً وبعضهم قالوا بها روح نجس – وهذا غير صحيح – وبعضهم قالوا ما قالوه قبل ذلك وزوجها شعر باحباط فوقف مكتوف الأيدى , وليس من مهرب .


ما أريد التأكيد عليه أن آمال لم تكن إنسانة شريرة فربما ظن البعض أن ما هى فيه إنما هو نوع من عذاب الضمير أو هو جزاء ما إقترفت من شرور . فهذا أمراً لا يجانبه الصواب , ودعونى أخبركم قليلاً عن آمال حتى لا يتسرع أحدكم فى الحكم عليها :
آمال هى الابنة الكبرى للأستاذ الفونس - والذى يعمل فى أرشيف وزارة العدل موظفاً عادياً جداً مثله مثل الآلاف غيره – عمرها الآن 25 سنة فقط . تزوجت من سامى – والذى يعمل فى نفس المصلحة مع والدها – وكان يكبرها بعشر سنوات وذلك عقب تخرجها من الثانوية العامة مباشرة ثم أنجبت ابنتها سالى ( 5 سنوات ) وابنها جون ( 3 سنوات ) .


أما عن شخصيتها فهى إنسانة عادية جداً إلاّ أن ما يميزها عن غيرها . مشاعرها المتدفقة تجاه الآخرين خصوصاً فى الوفاة فقد كانت تتردد على كنيسة الأنبا بولا والكائنة فى وسط مدافن المدينة وكانت ترى دائماً حالات الوفاة وما يكون فيها من ألم وبكاء لأهل المنتقل فكانت تطلب فى صلواتها أن يهبها الرب ما يمكن أن تقدمه لهؤلاء المتعبين لتعزيتهم . هذه هى آمال .
لم تكن تدرى أن هناك من يترصد بها ليمنعها عن خدمة الآخرين - فعند حالات الوفاة يأخذ عدو الخير فرصة كبيرة فى زرع الشكوك والإعتراضات فى نفوس الناس , وأيضاً تكون الفرصة مواتية لزرع الخوف والتذمر وعدم الرضا فى قلوب أولاد الله – إذن فهى بطلبتها هذه إنما تقاوم مملكة الشياطين وعملهم دون أن تدرى فهى إنما قصدت بالأكثر أن تشارك فى بناء مملكة المسيح . إلى هنا ونكون قد وصلنا إلى بداية القصة أو لنقل إلى النهاية .


بعد مرور ستة شهور على أول الأمر وفى ليلة من الليالى القاسية التى كانت تعانيها آمال وحدها وليس من مشارك لها فيها , وكانت آمال تمسك بكتابها المقدس كعادتها لتقرأ بعضاً من الآيات المعزية والتى ترفع عنها عبء المعاناة جزئياً – حيث أن المعاند لا يلبث أن يبدأ حربه من جديد بأكثر ضراوة – أثناء القراءة مرت عليها إحدى الآيات الجميلة والتى كتبها القديس بولس الرسول قائلاً:
{ لى إشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جداً } فأكملت آمال قراءتها ولكن تلك الآية لم تفارق ذهنها فأخذت تتأملها قليلاً ثم قامت فصلّت وجلست إلى سريرها بين طفليها ونظرها معلّق بصورة السيد المسيح فى شرقية الحجرة وأخذت تقارن بين حالتها ورعبها من الموت وبين ما يقوله الرسول العظيم بولس من أنه يشتهى الموت ليكون مع المسيح فى السماء . فأخذت تبكت نفسها على ضعف إيمانها , وشيئاً فشيئاً بدأت تشعر بهدوء لم تشعر به منذ أكثر من ستة شهور . فأسندت برأسها على ظهر السرير وأغمضت عينيها قائلةً :


{ الآن يمكننى أن أتقبل الأمر براحة .. فلو مت الآن لن أعترض .. ولن أخاف } ثم فتحت عينيها وهى تشعر بالنعاس يشد أجفانها لتنام فإذ بها ترى شخصاً واقفاً بجوار سريرها فى هدوء , تعلو وجهه إبتسامة مريحة . وقبل أن تحاول الصراخ وجدت نفسها تتكلم بهدوء قائلة له :
* من أنت ؟ ثم قامت فوقفت أمامه بجوار السرير . فقال لها :
- ألا تعرفينى ؟ ؟ أنا الموت ... قالها وقد علت شفتاه إبتسامة . فنظرت إليه فى شىء من العجب ثم إبتسمت وقالت له :
* لا . أنت تمزح . فلا يوجد شخص اسمه الموت , إن الموت شىء معنوى لا نراه ولا نسمعه ولكننا نعرفه عندما يأتى .... فأجابها بهدوء قائلاً :
- نعم . أنا أعرف كل ذلك , ولكن إرادة الله سمحت - لكى أنتِ خصيصاً - أن ترينى هكذا وجهاً لوجه عندما آتى لآخذك .. .. فأصابتها دهشة ضئيلة وسألته :
* هل معنى هذا .. أننى سأموت الآن !! ؟؟ .. .. فابتسم قائلاً - يا عزيزتى . أنتِ قد مُتِ بالفعل . أنظرى .. .. وأشار إلى السرير . فنظرت ببساطة فوجدت نفسها نائمة فى مكانها على السرير بين أولادها . ثم نظرت إلى ذاتها فوجدت نفسها مازالت واقفةً أمامه .. فتساءلت بهدوء :
* أتعنى فعلاً أنى قد مِتُ ؟ .. .. فقال لها :
- نعم . وهذا هو جسدك , أما أنتِ فإنك الروح التى أودعها الخالق العظيم له كل المجد .
لم تطل فى النظر والتفكير فإن الهدوء والراحة التى شعرت بهما أولاً تضاعفا الآن كثيراً جداً فهى الآن تشعر براحة مريحة وعجيبة لم تشعر بها أبداً من قبل وهى فى الجسد . فقالت له :
* حسناً .. ماذا الآن أيها الموت ؟ .. أم أنك تريدنى أن أناديك اسماً آخر ؟ لعل هذا الاسم يزعجك كما كان يزعجنى .
فردّ عليها فى رفق قائلاً :
- أنا لا أغضب من نفسى أبداً . فأنا أنفذ المشيئة الإلهية دائماً وبطاعة متناهية .. إن كل إنسان محدد له يوم ميلاده ويوم وفاته عند الخالق العظيم . أمّا أنا فقد أُوكل إلىّ تنفيذ يوم الموت على البشر , ولذلك فإنهم قد يكرهوننى أحياناً وقد يهابوننى أحياناً أخرى . كل شخص منهم حسبما كانت حياته على الأرض . فمَن كان شريراً فاسداً يهابنى لأنه يعرف مصيره الأبدى فى جهنم النار , ومَن كان فى الأرض طماعاً يكرهنى لأنه لا يريد أن يترك ما حققه ويمضى إلى طريق كل الأرض إلى حيث لا متع أرضية فاسدة . إن الأشرار يريدون أن يتركوا النفس والجسد لأهوائهما ولا تتناسب معهم أعمال الروح السامية لذلك هم يكرهوننى .. أمّا من كان يتوقعنى وينتظرنى بشوقٍ فهو من سما عن اللذات والشهوات ونظر إلى الأمور الباقية والتى لا ينطق بها فى السماويات مثل بولس الرسول والذى كنتِ تقرئين عنه الآن فقد كنتُ مشتهاه لأنه عن طريقى يعبر إلى المسيح عريسه ومشتهاه الحقيقى . عموماً فإننى قد كنت فى الماضى قبل تجسد الابن الكلمة وعمله الكفارى على عود الصليب , كنتُ أشير قبل الصليب لا إلى النهاية الجسدية فقط بل أيضاً إلى النهاية الروحية . لأن الأبرار كانوا أيضاً فى الجحيم وأما بعد الصليب فقد صرت أنا فخرا ً لأنه لا يرى أحداً المسيح ما لم يمر بى جسدياً ليصبح فى حياة أبدية .. والآن هيا بنا فقد أثقلت عليك فى الكلام .. .. ..فردّت آمال أو لنقل روح آمال قائلة :


* إلى أين أيها الرفيق الرقيق ؟ .. .. فقال لها الموت :
- إلى مشتهى نفسك إلى ملك الملوك ورب الأرباب يسوع المسيح إلهنا له كل المجد .
سمعت آمال هذا الكلام وظنّت أن قلبها سوف يدق دقّات متتابعة متلاحقة عالية من الفرحة , ولكنها تعجبت عندما لم تسمع قلبها فتذكرت أنها قد ماتت وأن الروح لها طُرق أخرى – غير الجسد – فى التعبير عن الفرح . ثم شعرت بسلام وفرح يملأ كل كيانها فانطلقت عبر الحائط يمسك بيمينها ذلك الكائن الجميل المسمى الموت والذى فَرَدَ جناحين كبيرين كالطائرة بمجرد خروجهما إلى الهواء . أمّا آمال فكانت فكرة أنها فى الجسد مازالت تداعبها لذلك فقد خشيت لبرهة قصيرة أن تسقط إلى أسفل – حيث أنها تقطن فى الطابق الخامس – ولكن سلامها الداخلى لم يتزعزع فهامت فى الجو مع رفيقها صاعدة إلى السماء كأنها ريشة خفيفة حملتها الرياح , وراحت تعلو وتعلو وهى تنظر حولها الأضواء والأهواء والأشياء . ثم تركت كل ذلك وسألت :
* ولكنى سمعت بل وقرأت أن من يرافق الروح بعد خروجها من الجسد هم الملائكة فإن كانت الروح شريرة يقوى عليها الشياطين ويأخذوها وإن كانت بارة تصعد مع الملائكة ولا يقوى عليها الشياطين . فلماذا أنا لا ترافقنى الملائكة وإعلم أن هذا ليس تذمراً ولكنه استفساراً من أجل المعرفة .. لم ينظر إليها الموت ولم يتضايق من سؤالها ولكنه أجابها– وهو مازال محدقاً بطريقه نحو السماء وعيناه معلقتان بالأفق فى هدوء – قائلاً :
- إن موتك أنتِ حالة خاصة . أمر بها الملك أن تكون على هذه الشاكلة وهناك أشياءاً أخرى سوف تعرفينها فى الوقت المناسب ... عندئذٍ شعرت آمال براحة أيضاً ثم تابعت طيرانها حتى وصلت إلى مكان ما - لم تعرف ما هو – ولكنها كانت فى سلام وراحة عجيبين . وقفت ونظرت حولها فوجدت الرحب والسعة والراحة فى كل مكان . فتركها الموت هناك قائلاً لها :
- انتظرى ههنا ... فوقفت دون تردد دون تعب دون فكر لحوح ودون سؤال فقط راحة وسلام فى إنتظار الحبيب , بعد برهة شعرت بشخص ما .. شعور جميل يكتنفها .. يهزها .. ليس هزاً عنيفاً لكن مريحاً .. دموعها انسابت .. كيف ذلك ؟ .. سألت نفسها قائلةً : إن الروح لا تبكى هكذا .. ولكن الدموع غلبتها .. فأدركت .. نعم .. أحس بكَ يا حبيبى .. أين أنت ؟ .. أريد أن أراك .. فسمعت صوتاً .. حولها .. من داخلها .. يملأها .. قائلاً لها :
+ أنا معكى يا ابنتى .. اطمئنى .. لماذا تخافى الموت ؟.. هل هو فعلاً صعب ؟
* لا .. يا ربى الحبيب .. إنه جميل وأجمل ما فيه أنه قربنى منك هكذا .. أين أنت ألن أراك ؟

+ ليس الآن .. إن حياتك على الأرض لم تنته بعد .. فأنا أريدك هناك .. فإن خدمتك لم تبدأ .
* خدمة ؟ .. أى خدمة ؟
+ هل نسيتِ طلبتك ؟ .. ألم تصلّى من أجل المتعبين والحزانى .. وطلبتِ أن تُعطى ما تعطيه لهم ؟
* بلى ..يارب .. لقد طلبتُ ذلك .
+ لقد سمعتُ لكِ فى طلبتك تلك وسوف أعطيكى ( نبعاً من التعزية ) لتسقى منه كل محتاج .. لقد أراد بكِ المشتكى شراً .. لكن هذا الشر قد تحول الآن خيراً .. لقد سمحت أن تتعبى من حروبه لكى ترى بعينيكى ما ترينه الآن .. فتتكلمى عن تجربة وإحساس .. وعندما تعزى الناس تكلمى عن إحساسك ولا تحكى عن ما رأيتيه – لأنه لن يصدقك أحد – وأنا سأكون معكِ فلا تهابى شيئاً .. وأنا أيضاً سأكون فى إنتظارك بعد إكمال خدمتك .. عندها سوف أرسل لكِ الملائكة كما سألتى لكى تُحضرك عندى .. إذهبى بسلام ..
عند ذلك نظرت آمال فوجدت رفيقها السابق – الموت – واقفاً من بعيد يودعها وإبتسامته لم تفارقه وقد فرد جناحيه على مثال الصليب فأشارت له قائلةً :
* لا تتأخر علىّ كثيراً فأنا فى إنتظارك من الآن .. لا تتأخر فأنا فى شوق عظيم للقاء الحبيب .. لا تتأخر كثيراً .. لا تتأخر .. إنى فى انتظارك
و هنا فتحت آمال عينيها فوجدت نفسها قد عادت إلى جسدها الممدد على السرير . نظرت أمامها فرأت صورة السيد المسيح تعلوها إبتسامة مريحة .. فأدركت ما جرى معها فقامت عن سريرها وصلّت صلاة باكر – لأنها كانت الساعة الأولى من النهار – ثم ارتدت ملابسها إلى القداس الإلهى وعقب القداس إقترحت آمال على أب إعترافها بداية خدمة جديدة فى الكنيسة هى خدمة ( ينبوع التعزية ) لتعزية أهالى المنتقلين وبعد أن رأى أبونا وسمع وتعجب وافق وهو يُمجّد اسم الرب .. وفى منزل آمال بعد ذلك لم ينقطع رنين التليفون صباحاً ومساءاً وصياح الديك من اتصالات أبونا والذى كان يُرسل فى طلب تاسونى آمال ( المُعزِّية ) - أمينة خدمة ينبوع التعزية – لتذهب إلى إحدى الأسر والتى إنتقل أحد أفرادها الآن .. لتعزِّيهم .
ولم يعرف أحد سر تاسونى آمال المعزِّية على مدى خمس وعشرون عاماً هى مدة خدمتها بيننا .. أما أبونا فقد عرف هذا السر قبل ذلك ..
واليوم ها هو يحكيه لكم .. فى يوم انتقال تاسونى آمال المعزِّية من هذا العالم الفانى ..
أبوكم وخادمكم الخاطى
أبونا مرقس

ـــــــــــــــــــــــ
أكتوبر 2003
+ الموت فى القصة السابقة هو الموت الجسدى أى انفصال الروح عن الجسد فان كنت قد فهمت غير ذلك أو اصدمت بالفكرة فمن فضلك أعد قراءة القصة ... وإن لا ... فأكمل القراءة
+ القصة مهداة إلى المنتقل الحبيب أخونا الدكتور / أسامة مفرح
الذى أنهى خدمته بيننا وذهب الى السماء ليحظى بلقاء عريسه السماوى فلا تنسى أن تذكرنا أمام العرش الالهى ليعيننا الرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق